ضابط إسرائيليّ يوقع متظاهراً فلسطينيّاً ويدوس عنقه ثمّ بتهديد السّلاح يعيق نقله من المكان
في ظهيرة يوم الثلاثاء الموافق 1.9.20 جرت مسيرة وتظاهُرة احتجاجيّة ضدّ مصادرة أكثر من 700 دونم من أراضي قريتّي شوفة والرّاس في محافظة طولكرم لصالح المنطقة الصّناعيّة "بوستاني حيفتس". شارك في التظاهرة
...
في ظهيرة يوم الثلاثاء الموافق 1.9.20 جرت مسيرة وتظاهُرة احتجاجيّة ضدّ مصادرة أكثر من 700 دونم من أراضي قريتّي شوفة والرّاس في محافظة طولكرم لصالح المنطقة الصّناعيّة "بوستاني حيفتس". شارك في التظاهرة نحو 200 شخص وبضمنهم عدد من أهالي قرى المنطقة وناشطون من منظّمات حقوق إنسان كما حضر صحفيّون لتغطية التظاهرة. يُذكر أنّها التظاهرة الثالثة التي جرت خلال الشهر الأخير احتجاجاً على مصادرة تلك الأراضي.
عشرات الجنود كانوا ينتشرون في المنطقة وعندما وقف المتظاهرون قبالة الشارع الرئيسيّ (557) ألقى بعض الجنود نحوهم قنابل الغاز والصّوت ودفعهم جنود آخرون ليُبعدوهم عن الشارع.
وقف ثلاثة جنود بينهم ضابط قرب المكان الذي انسحب إليه المتظاهرون وبعد مرور ساعة تقريباً وقع جدال بين أحد المتظاهرين والضابط فهدّده الأخير بسلاحه وعندئذٍ وقف بينهما متظاهر آخر هو خيري حنون (61 عاماً) من قرية عنبتا. دفع الضابط خيري حنون وأوقعه أرضاً ثمّ داس عنقه بقوّة وكبّل يديه خلف ظهره. جنديّان آخران أشهرا سلاحيهما وأمرا بقيّة المتظاهرين أن يبتعدوا.
خيري حنون في التظاهرة قبل الاعتداء عليه. تصوير: محمد حامد، 1.9.20
بعد تكبيل يدي خيري حنون رفعه الجنود والضابط واقتادوه جانباً. عندئذٍ اندلعت مشادّة كلاميّة بين المتظاهرين والجنود الثلاثة، وبعد مضيّ نحو ربع السّاعة تمكّن المتظاهرون من تخليص خيري وأخذوه إلى سيّارة متوقّفة في مكان قريب لكي ينقلوه من هناك. بعد أن دخل خيري إلى السيّارة جاء الضابط وحطّم بسلاحه نافذة السيّارة من جهة السّائق وأمره بالخروج منها تحت تهديد السّلاح. لم يسمح الجنود بنقل خيري لتلقي العلاج إلّا بعد مضيّ نحو رُبع السّاعة عندما وصلت سيّارة إسعاف فلسطينيّة.
قرابة الرابعة من فجر الاثنين الموافق 21.9.20 اقتحم نحو 15 جنديًا منزل خيري حنون وفتشوه وصادروا جهازي حاسوب نقال وهاتفه الخلوي وهاتف ابنته واعتقلوه. لا تعلم أسرته سبب اعتقاله وقد علمت الأسرة بواسطة صحفي بعد يومين على اعتقاله بأنه محتجز في سجن عوفر.
بعد نشر موثّق عن الحادثة في صحيفة "هآرتس" عقّب الناطق بلسان الجيش قائلاً إنّ "أعمال شغب عنيفة" وقعت في المكان وزعم أنّ فلسطينيّا "دفع ضابط القوّة عدّة مرّات بقصد الاستفزاز" واصفاً إيّاه بأنّه "فلسطينيّ معروف كمحرّض رئيسيّ ومشارك في أعمال شغب كثيرة في منطقة يهودا والسّامرة". وأضاف الناطق أنّ "ضابط القوّة تحلّى بالصّبر ولكن بعد أن هوجم عدّة مرّات اضطرّت القوّة إلى اعتقال المشتبه فيه لأنّه واصل مهاجمة القوّة والإخلال بالنظام". كما زعم الناطق أنّ "المشتبه فيه قاوم الاعتقال فاضطرّت القوّة إلى تكبيل يديه. وبعد اعتقاله تمّ تقديم الإسعاف الطبّي له في الموقع".
لا يوجد في هذا التعقيب ما يمتّ بصِلة إلى الأحداث التي وقعت وتمّ توثيقها بحيث لا خلاف حولها: ضابط مسلّح ومحاط بجنود مسلّحين يهاجم متظاهراً أعزل في الـ61 من عمره ويوقعه أرضاً ويدوس عنقه ويكبّله بشدّة ثمّ يحاول بتهديد السّلاح منع آخرين من نقله لتلقّي العلاج. تعقيب الناطق يعكس ليس فقط دعم المنظومة العسكريّة لعُنف الجنود في هذه الحادثة العينيّة وإنّما هو يستند إلى سياسة إسرائيليّة تمنع الفلسطينيّين من ممارسة حقّ التظاهُر لأجل أو ضدّ أيّ شيء - وضمن ذلك كما في الحالة أمامنا تمنعهم من إجراء حتى مسيرة سلميّة ضدّ نهب أراضيهم - ثمّ تسخيرها لخدمة أهداف إسرائيل كالعادة. هذا التبرير التلقائيّ ليس سوى جزءٍ من التبرير الواسع الذي يمنحه نظام الاحتلال مراراً وتكراراً للعُنف الروتينيّ الذي تمارسه قوّات الأمن ضدّ الفلسطينيّين - والنتيجة أنّ هذه العناصر استبطنت الرّسالة جيّداً: انتهاك حقوق الفلسطينيّين مسموح في إطار نظام الاحتلال ويشكّل ركناً تنفيذيّاً في الحفاظ عليه.
باحث بتسيلم الميدانيّ عبد الكريم السّعدي استمع في يوم الحادثة إلى إفادات من خيري حنون وآخرين:
أدناه إفادة خيري حنون (61 عاماً) من عنبتا وهو أب لأربعة أبناء ويعمل بائع فلافل وهو أحد الناشطين في الاحتجاج:
خيري حنون. تصوير: عبد الكريم السّعدي, بتسيلم, 1.9.20
كنّا نحو 200 متظاهر. أخذ الجنود في المنطقة يدفعوننا بأيديهم لكي يُبعدونا عن الشارع الرئيسيّ ويبدو أنّهم كانوا ينتظروننا هناك. كما ألقوا نحونا قنابل الصّوت والغاز المسيل للدّموع. ابتعدتُ وبقيّة المتظاهرين عن الشارع وانتقلنا إلى الأراضي المعدّة للمصادرة لكنّ الجنود واصلوا رغم ذلك استفزازنا وإطلاق الرّصاص الحيّ في الهواء وإلقاء قنابل الصّوت والغاز.
قلت للجنود الواقفين هناك: "لقد طالبتمونا بالابتعاد عن الشارع وقد فعلنا ذلك فلماذا تواصلون ملاحقتنا؟".
شاهدت أحد الجنود يصوّب بندقيّته نحو شابّ مشارك في التظاهُرة فوقفت بين الشابّ والجنديّ. لم يعجب الجنديّ ذلك فأوقعني أرضاً.
داس الجنديّ عنقي برُكبته وفي أثناء ذلك كان يحاول أن يكبّل يديّ. أحسست بأنّني أختنق ولا أستطيع التنفّس. تذكّرت حادثة جورج فلويد الأمريكيّ وخفت كثيراً على حياتي. وكنت غاضباً أيضاً لأنّني لم أتمكّن من المقاومة ومن حماية نفسي والدفاع عن حياتي. ظلّ الجنديّ فوقي حتى كبّل يديّ. بعد ذلك رفعني عن الأرض واقتادني جانباً ومعه جنديّان آخران.
تمكّن متظاهرون من تخليصي أثناء تدافع حصل بينهم وبين الجنود. سحبوني من يديّ أحد الجنود وأخذوني إلى سيّارة الهيئة الحكوميّة لمقاومة الجدار والاستيطان وكانت متوقّفة هناك.
أدخلوني إلى السيّارة وكنت منهكاً كما أحسست بكدمات على وجهي نتيجة ضغط الجنديّ على وجهي برجليه وركبتيه. عندما كنت داخل السيّارة هجم أحد الجنود وحطّم ببندقيّته زجاج نافذة السّائق. منعنا الجنود من التحرّك طيلة رُبع السّاعة تقريباً حتى وصلت سيّارة إسعاف ونقلتني من هناك.
نقلتني سيّارة الإسعاف إلى عزبة شوفة. هناك شربت الماء وغسلت وجهي. لم أرغب في تلقّي علاج طبّي. أردت فقط الابتعاد عن الجنود.
شعرت بآلام في جميع أنحاء جسمي وخاصّة رأسي وعنقي. أنا أشارك في التظاهرات منذ سنين بشكل سلميّ وبلا عُنف. هذه أوّل مرّة يستخدم فيها الجنود معي مثل هذا العُنف.
أدناه إفادة تحسين حامد (69 عاماً) وهو مزارع من قرية شوفة وهو أب لثمانية أبناء:
تحسين حامد. تصوير: عبد الكريم السّعدي, بتسيلم, 1.9.20
أخذ الجنود يدفعوننا لكي يُبعدونا عن الشارع. في ذلك الوقت كنت أقف قرب صديق قديم لي يدعى خيري حنون وهو مشارك مواظب في هذه التظاهرات السلميّة، ويأتي دائماً مرتدياً اللّباس الفلسطينيّ التقليديّ.
رأيت أحد الجنود يتقدّم فجأة ويدفع خيري فوقع هذا أرضاً. جميعنا فوجئنا من اعتداء الجنديّ على خيري لأنّه لم يفعل شيئاً فلم يستخدم العُنف ولم يكن هناك أيّ مبرّر للاعتداء عليه.
شاهدت أحد الجنود يثبّت خيري على الأرض ويكبّل يديه. ورغم سنّ خيري كان الجنديّ يضغط على عنقه بركبته.
بعد أن كبّل الجنديّ يدي خيري ورفعه عن الأرض حاولت مع متظاهرين آخرين تخليص خيري من أيدي الجنود. وقع جدال وتدافُع ومرّت رُبع السّاعة تقريباً حتى تمكنّا من تخليصه.
كانت هناك سيّارة تابعة للهيئة الحكوميّة لمقاومة الجدار والاستيطان. أعنت خيري ومعي آخرون حتى أوصلناه إلى السيّارة وادخلناه إليها لكي نُبعده من هناك. فجأة جاء جنديّ وحطّم ببندقيّته نافذة السّائق.
لقد كان سلوكه وحشيّاً وكان واضحاً أنّه تصرّف بدافع الكراهيّة. أعاق الجنود السيّارة طوال رُبع السّاعة تقريباً وخيري فيها حتى جاءت سيّارة إسعاف فلسطينيّة وأخذته من هناك.
في هذه التظاهُرة استخدم الجنود عشرات قنابل الصّوت والغاز المسيل للدّموع وأطلقوا الرّصاص الحيّ في الهواء ولكن لم تقع إصابات.
أدناه إفادة معروف الرّفاعي (52 عاماً) من عناتا وهو متزوّج وأب لخمسة أبناء وهو المستشار الإعلامي في وزارة مقاومة الجدار والاستيطان:
بعد أن تمكّن المتظاهرون من تخليص خيري من أيدي الجنود أدخلوه إلى السيّارة التي جئت فيها وهي تابعة للهيئة الحكوميّة لمقاومة الجدار والاستيطان. كنت في السيّارة متوقّفاً على بُعد عشرة أمتار من موقع الحادثة.
جلس خيري في المقعد الخلفيّ وحين هممت بالتحرّك حطّم أحد الجنود وهو الضابط ببندقيّته زجاج النافذة التي من جهتي.
تطايرت قطع الزجاج عليّ وأصابتني ببعض الخدوش. توتّرت كثيراً لأنّه كان يصوّب بندقيّته نحوي وخفت أن يطلق النار عليّ. اقترب الضابط منّي وهدّدني بإطلاق النار عليّ إذا لم أترجل من السيارة.
بعد ذلك أمسكني من عنقي وأخرجني من السيّارة. في النهاية جاءت سيّارة إسعاف فلسطينيّة وأخذت خيري من هناك.
كان الاعتداء على خيري ينمّ عن وحشيّة. إنّه يشبه حادثة الشرطي الأمريكي الذي اعتدى على جورج فلويد. سلوك الجندي يثبت التطرّف تجاه الفلسطينيّين في ظلّ الاحتلال.
يكمن في جوهر نظام الأبرتهايد والاحتلال الإسرائيلي انتهاك منهجيّ لحقوق الإنسان. تعمل بتسيلم لأجل إنهاء هذا النظام، إدراكًا منها أنّه بهذه الطريقة فقط يمكن تحقيق مستقبل يضمن حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحرّية والمساواة لجميع الأفراد - فلسطينيين وإسرائيليين - القاطنين بين النهر والبحر.