مستجدات: في نهاية شهر كانون الثاني 2016، رفضت محكمة العدل العليا الالتماسين اللذين تقدمت بهما بلدية بيت جالا، سكّان مالكو أراضٍ، ودير كريمزان النّسائيّ، ضدّ بناء مقطع من الجدار الفاصل في منطقة بير عونا في بيت جالا، وصادقت على مواصلة البناء.
جرافة الادارة المدنية تنقل شجرة زيتون مقتلعة من حقول بيت جالا في منطقة بئر عونة. تصوير: ساريت ميخائيلي، بتسيلم، 20/8/2015
في شهر آب من عام 2015 جدّدت وزارة الدفاع العمل على بناء الجدار الفاصل في منطقة بلدة بيت جالا. هذه العمليّة تخلق حقائق على أرض الواقع لا رجعة فيها، مع تجاهل حقيقة أن الإجراءات القانونية لم تُستَوف بعد في هذا الموضوع. مقطع الجدار الذي تمّ تجديد بناءه سيفصل مستقبلاً بين سكّان بيت جالا وأراضيهم الزراعية في وادي كريمزان، والتي تُعتبر فلاحتها مصدر دخل حيويًا لدى السّكان في البلدة. الوادي أيضًا هو أحد آخر المساحات الخضراء المتبقية في محافظة بيت لحم ويخدم أيضًا الاحتياجات الترفيهية لسكان المنطقة. في وادي كريمزان هناك أيضًا دَيران تابعان لنظام الأديرة الساليزانيّ هما ، دير الكريمزان، الذي يقوم رهبانه بتصنيع النبيذ وزيت الزيتون من الكروم المتاخمة له، ودير النساء، الذي يُديرُ مؤسسات تعليميّة تخدم مئات الأطفال في المنطقة. بناء هذا المقطع من الجدار سيُكمل ضمّ مساحات واسعة إلى إسرائيل بشكل فعليّ.
في الوقت الراهن، يُبنى الجدار على طول مسار يصل إلى ما يقارب 1.2 كم، وفيه فجوة يصل طولها إلى ما يقارب 225 مترًا في منطقة الأديرة. في هذه الأيام، وبعد معركة قضائيّة دامت أكثر من تسع سنوات، ينتظر سكّان بيت جالا والأديرة قرار محكمة العدل العليا في هذا الشأن.
ينطوي بناء الجدار في المسار على أضرار جسيمة ومباشرة لسكان بيت جالا:
- الاستيلاء على أراض بملكيّة فلسطينيّة خاصّة واقتلاع العشرات من أشجار الزيتون القديمة في المنطقة التي يجري فيها بناء الجدار الفاصل: يقطع المسار الأراضي الخاصّة التي يملكها سكان بيت جالا، والتي تمّ الاستيلاء عليها بموجب أمر المصادرة-62-06 (انظر العلامة الصفراء في الصورة جوية أعلاه). مع استئناف العمل في هذا المقطع من الجدار، اقتلعت وزارة الدفاع مؤخرا العشرات من أشجار الزيتون القديمة، ونقلتها بهدف زراعتها في مناطق مجاورة. الملاّك الذين أدلوا بشهاداتهم لبتسيلم أوضحوا أن الاقتلاع تمّ بطريقة متسيّبة ألحقت ضررًا بالغًا في خصوبة الأشجار. وبالتالي، ووفقا للسكان، فإنّ زراعتها من جديد في حقل آخر يشكّل مجرد محاولة سطحية لإخفاء الضرر الاقتصاديّ والنفسيّ العميقين.
- فصل عشرات العائلات عن أراضيها الزراعيّة وعن مصدر دخلها الأساسيّ: حوالي 3000 دونم من حقول الزيتون، وأشجار الفاكهة الأخرى، وقفران النحل - والتي تتطلب عناية دقيقة ومستمرة – ستبقى شرقيّ الجدار. وعدت الدولة محكمة العدل العليا بنصب بوابة زراعية في المكان، للسماح للسكان بالوصول إلى أراضيهم، إلا أن نصب بوابة كهذه سوف تُخضع السكان الفلسطينيين لنظام التصاريح، الذي يحدّ بشكل كبير من قدرتهم على التنقّل بين جانبي الجدار، ويجبرهم على عيش حياة يشوبها اللايقين، والارتباط بإجراءات السلطات التعسّفية. من البحث الذي أجرته بتسيلم حول الآثار المترتبة على نظام التصاريح على سكان قرية جويس- والذي يفصل الجدار بينهم وبين أراضيهم الزراعيّة- تبيّن أنه منذ إقامته انخفض النشاط الاقتصادي في المنطقة الزراعية الفلسطينية التي اعتبرت في السابق مستقرة، واستنفذت قدرة المجتمع في الحفاظ على كيانه بشكل مستقل.
- منع تطور بلدة بيت جالا، والتي سيفصل الجدار بينها وبين الأراضي الاحتياطية الوحيدة المتبقية للتنمية المستقبلية.
توثيق مصور: جرافات الادارة المدنية تقلع اشجار في منطقة بئر عونة. تصوير: ساريت ميخائيلي، بتسيلم، 20/8/2015
تحدث نادر أبو راس وهو أستاذ جامعي مقيم في بيت جالا مع الباحث الميدانيّ في منظّمة بتسيلم موسى أبو هشهش بتاريخ 26/8/2015:
أملك أنا وأخي قطعتي أرض في بئر عونة شمال غرب بيت جالا، وفيهما حقول زيتون. أرض بمساحة 7 دونمات وتجاورها الأرض الأخرى، وتبلغ مساحتها 8 دونمات. الزيتون وزيت الزيتون اللذان ننتجهما يشكلان 15٪ من إيرادات الأسرة، ونحن نعتمد أيضا على زيت الزيتون لاحتياجات الأسرة. يوم الاثنين الموافق 17/8/2015، فوجئت بأنّ الجرافات الإسرائيلية بدأت العمل في أراضينا في بئر عونة. أنا واصحاب الأراضي الآخرون لم نتلقّ أي إخطار بشأن الإستيلاء على الأرض أو العمل فيها. بقيت في المنطقة نهارًا، ورأيت الجرافات والجرارات تقتلع أشجار الزيتون القديمة وتدمر الأرض. بالنسبة لي ولجيراني كان ذلك كارثة عظيمة. شعرت بالحزن والغضب، وآلمني كثيرًا إنّي لم أتمكّن من فعل أي شيء في الوقت الذي اقتلعت فيه الجرارات الأشجار، التي يصل عمرها إلى قرون. لم أكن أتوقع أنّهم سيقتلعونها.
بالإضافة إلى الأضرار المباشرة التي لحقت بي وبأصحاب الأراضي المجاورة، فإن بناء الجدار سيحول بيننا وبين الوصول إلى الأراضي التي بقيت خلف الجدار وسيمنعنا من رعاية حقولنا. سيتوجّب علينا التنسيق مع الإدارة المدنية وطلب تصاريح للدخول إلى أراضينا، لحرثها، ورعايتها وحصد الزيتون. سنضطرّ في النهاية للتخلّي عن الأرض، وستستولي السلطات الإسرائيلية مستقبلاً على هذه الأراضي. الأضرار والخسائر عندنا كبيرة وثقيلة جدًا، لأننا، نحن سكّان بيت جالا، نعتمد على أشجار الزيتون كمصدر رزق هام.
عمومًا، سيحوّل بناء الجدار، والذي سيصل وفقًا للمخطط حتّى دير كريمزان، بلدة بيت جالا إلى سجن صغير، ضيق ومزدحم، وسيمنعنا من توسيع البلدة في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب الجدار، لن نتمكن من قضاء الوقت خارج بيت جالا. دائمًا كنّا نذهب إلى أراضينا، نجلس هناك في أوقات الفراغ ونأكل هناك. جميع أفراد الأسرة من رجال ونساء وأطفال قضوا وقتًا ممتعًا في الأراضي الزراعية.
جرافة تحفر حفرًا لإعادة زراعة أشجار الزيتون التي اقتلعت من حقول بيت جالا (عن اليسار) في بئر عونة. سيتم بناء الجدار عن يمين المنازل في الصورة. تصوير: ساريت ميخائيلي، بتسيلم، 20/8/2015
في سياقه المكانيّ الواسع، فإنّ مسار الجدار الذي تم اختياره هو تعبير آخر عن سياسة التوسع الاستيطاني وتخليدها، وهي السياسة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية. المسار يمهد ضمّ إسرائيل لمستوطنة "هار جيلو"، التابعة إلى المجلس الإقليمي "غوش عتصيون"، وخلق تواصل جغرافي مع مستوطنة جيلو الموجودة داخل حدود بلدية القدس. بناء هذا المقطع من الجدار يكمل، في الواقع، المسار الموجود من حول المناطق التي تم ضمّها إلى القدس، والسماح بضم كل المنطقة الواقعة بين القدس ومستوطنات "غوش عتصيون" و"بيتار عيليت"، إلى الأراضي ذات السيادة الإسرائيليّة.
على الرغم من سنوات الإجراءات القضائيّة، لا تزال دولة اسرائيل تعزز من خططها في بيت جالا، لتمهيد الطريق لضم مستوطنة "هار جيلو". وذلك من خلال إدخال تغييرات طفيفة على الخطط الأصلية وتقرير الحقائق على أرض الواقع. وقد اختارت محكمة العدل العليا، التي عُرضت أمامها هذه الحقائق بشكل قاطع، ألاّ تمنع الضّرر الأساسيّ اللاحق بسكان بيت جالا أو أديرة كريمزان ورفضت الاعتراف بامتهان الدّولة للأحكام الصادرة عنها.