في صبيحة يوم الاثنين الموافق 12.10.20 خرج نحو 50 مزارعاً وآخرين من أهالي بُرقة في محافظة رام الله لكي يقطفوا الزيتون في كرومهم التي تبعد عن منازل القرية قرابة كيلومتر واحد شمالًا.
يُذكر أنّ المزارعين من بُرقة وبيتين التي تقع شمالها يلاقون معاناة كبيرة في الوصول إلى أراضيهم منذ أن أقام مستوطنون في العام 2001 بؤرة "جيفعات أساف" الاستيطانيّة على أراضي بيتين الممتدّة بين القريتين. منذ ذلك الحين يسعى المستوطنون سعياً دؤوباً إلى الاستيلاء على كروم الزيتون خاصّة أهالي القريتين ويعتدون على المزارعين الذين يجرؤون على القدوم إلى أراضيهم. بل إنّ المستوطنين نصبوا في العام 2015 عريشة وجلبوا كرفان إلى أراضي أولئك المزارعين الواقعة جنوب "جيفعات أساف" ويتواجدون بأنفسهم هناك في معظم الأوقات.
إزاء عُنف المستوطنين المتكرّر احتاط المزارعون في موسم القطاف الحاليّ ونظّموا مجيء متطوّعين معهم من سكّان القرية ومن خارجها لكي يساعدوهم في قطف الزيتون.
أدناه يصف رئيس مجلس بُرقة عدنان بركات (57 عاماً) معاناة لا تُطاق يتجرّعها مزارعو القرية جرّاء العُنف الملازم لوجود المستوطنين - من إفادة أدلى بها أمام باحث بتسيلم الميدانيّ إياد حدّاد في 20.10.20:
مع اقتراب موسم القطاف الحاليّ نسّقت مع السّلطة الفلسطينيّة عمل القاطفين في منطقة راس العقبة الواقعة شمال القرية، كما نسّقت مع مجلس قرية بيتين لأنّ في المنطقة المذكورة أراضٍ لسكّان من بيتين. كان هدف التنسيق تجنيد متطوّعين لكي يساعدوا في قطف الزيتون وإسناد أصحاب الأراضي في التصدّي لهجمات المستوطنين. هذا الأمر أصبح ضروريّاً بعد أن أقام المستوطنون عرائش هناك ويقيمون منذ سنوات على أراضٍ فلسطينيّة بمُلكيّة خاصّة، وحيث أنّ الأمر مخالف للقانون فقد أجلتهم الشرطة الإسرائيليّة عدّة مرّات لكنّهم يعودون بعد ذلك. إنّهم يعتدون على المزارعين ويُتلفون مزروعاتهم ويصولون ويجولون دون حسيب أو رقيب.
وجود المستوطنين هناك يشكّل خطراً على المزارعين ويردعهم عن الوصول إلى أراضيهم؛ وقد سبق أنّ قدّم المزارعون شكاوى كثيرة جدّاً إلى الشرطة والجيش الإسرائيليّين وإلى منظّمات حقوق الإنسان والصّليب الأحمر ولكن عبثاً - لم تُسفر أيّ من الشكاوى عن شيء. لم يبق أمام الناس سوى الصّمود والإصرار على دخول أراضيهم مهما كان الثمن.
لا تفرض الإدارة المدنيّة على الأهالي إجراء تنسيق لدخول أراضيهم في تلك المنطقة والأهالي بدورهم ليسوا معنيّين بمثل هذا التنسيق. إنّها أراضٍ بمُلكيّة خاصّة ولا يحقّ لأحد أن يقرّر لأصحابها متى يدخلوها.
اتّفقنا على التجمّع في الثامنة من صباح يوم الاثنين الموافق 12.10.20 عند المسجد الكبير لقُربه من الأراضي وقد حضر 40 - 50 مزارع وعائلاتهم: رجال ونساء ومسنّون وأطفال.
لدى وُصولهم إلى الكروم واجه المزارعون مجموعة تعدّ 15 مستوطناً يحملون الهراوات وسرعان ما أخذ هؤلاء يرشقونهم بالحجارة. إزاء ذلك رشقهم المزارعون بالحجارة دفاعاً عن أنفسهم واستدعوا نجدة من أهالي القرية. أصابت حجارة المستوطنين ثلاثة من الأهالي إصابات طفيفة وحطّمت زجاج ثلاث سيّارات. بعد مضيّ نحو نصف السّاعة حضر جنود لكنّهم عوضاً عن حماية أصحاب الأراضي أخذوا يلقون نحوهم قنابل الصّوت ويطلقون قنابل الغاز المسيل للدّموع والرّصاص المعدنيّ المغلّف بالمطّاط. نحو السّاعة 10:00 صباحاً جاء ضابط وأمر الأهالي بالعودة إلى منازلهم متعهّداً بأن يحميهم الجيش ويمكّنهم من قطف زيتونهم في الأيّام القريبة.

في إفادته نفسها يصف عدنان بركات المواجهات بين المزارعين الذين جاءوا لقطف زيتونهم وبين المستوطنين والجنود:
نحو السّاعة 8:00 صباحاً توجّهنا نحو الأراضي التي تبعد قرابة نصف كيلومتر عن نقطة التجمع. وفي منتصف الطريق قرب مكان يُدعى بير ربحي شاهدنا 15 مستوطناً يحملون هراوات وحجارة. لم يكن الأهالي معنيّين بمواجهات معهم لأنّ غاية المزارعين أن يقطفوا زيتونهم ناهيك عن وجود أطفال ونساء معهم.
كان المستوطنون قد سدّوا الشارع بالحجارة لكي يمنعوا وصول المزارعين إلى أراضيهم غير أنّ الأهالي أزالوا الحجارة وعندئذٍ أخذ المستوطنون يدفعونهم ويرشقونهم بالحجارة ممّا سخّن الأجواء وأجبر الأهالي على الردّ بالمِثل لكي يصدّوا المستوطنين عنهم ويُبعدوهم عن المكان. لكنّ المستوطنين واصلوا مهاجمة الناس ورشق الحجارة فأصابوا اثنين أو ثلاثة من المزارعين في أرجلهم كما تمكّنوا من الوصول إلى ثلاث سيّارات تعود للأهالي فحطّموا زجاجها الأماميّ وزجاج النوافذ بالهراوات والحجارة. النساء والأطفال كانوا خائفين وقد تعالى صُراخهم.
بعد أن استمرّت المواجهات 30 - 40 دقيقة جاء نحو ثمانية جنود ممّن يقفون عادة قرب بؤرة "جيفعات أساف" الاستيطانيّة. لقد جاءوا لحماية المستوطنين. تقريباً في الوقت نفسه وصلت نجدة من أهالي القرية قوامها قرابة 20 شابّاً ومن طرف السّلطة الفلسطينية حضر وليد عسّاف وزير شؤون الجدار كما حضرت ليلى غنّام محافظة رام الله. بعد وصول النجدة تمكّن الشبان من صدّ المستوطنين وعندئذٍ أراد الجيش تفريق الشبان فأطلق قنابل الصّوت والغاز المسيل للدّموع والرّصاص "المطّاطيّ" من حين لحين. استمرّت المواجهات مع الجيش فيما ابتعد المستوطنون إلى حيث عرائشهم وأخذوا يتفرّجون من بعيد.
عند السّاعة 10:00 جاء ضابط كبير قال إنّه قائد المنطقة. طلب مني أن أطلب من المزارعين العودة إلى منازلهم وأنّه سوف يرتّب في الغد حضور قوّة عسكريّة كافية لحماية المزارعين. وافقنا على اقتراحه وعاد المزارعون إلى منازلهم دون أن يدخلوا أراضيهم.
في صباح اليوم التالي جاء إلى الأراضي خمسة مزارعين وخمسة متطوّعين ومُراسل القناة الثانية العبريّة "أوهاد حمو" لكنّ عشرات المستوطنين الذين كمنوا لهم هناك انهالوا عليهم بالعصيّ والحجارة. تطوّرت الأمور إلى مواجهات بين القاطفين والمستوطنين تخلّلها رشق حجارة وتدافُع ممّا أسفر عن إصابات في الرأس طالت المزارع جمال مُعطان (47 عاماً) والمتطوّع محمد الخطيب (48 عاماً) كما أصيب المُراسل أوهاد حمو بكدمات. حضرت سيّارة إسعاف من الهلال الأحمر ونقلت المزارع جمال مُعطان إلى مستشفىً في رام الله حيث تلقّى العلاج وغادر إلى منزله.
في التاسعة أي بعد مضيّ نحو السّاعة تجمّع عشرات المزارعين وسط القرية وخرجوا في مسيرة نحو الأراضي التي تعرّض أصحابها للاعتداء، فأخذ عشرات المستوطنين ممّن بقوا هناك يرشقونهم بالحجارة في حين كان نحو عشرة جنود يقفون على رأس تلّة مجاورة ويتفرّجون دون أن يتدخّلوا. بعد مضيّ نصف ساعة أخرى جاء إلى المكان عشرات آخرون من الأهالي لكي يسندوا المزارعين وعندئذٍ انسحب المستوطنون نحو الكرفان والعريشة التي نصبوها فوق أراضي الأهالي؛ في هذه المرحلة بالذات تدخّل الجنود الواقفون على رأس التلّة لصالح المستوطنين وأخذوا يطلقون قنابل الغاز والرّصاص "المطّاطيّ" نحو المزارعين.
نحو السّاعة 12:00 جاء ضابط من الجيش وطلب من السكّان أن يتنازلوا في هذه المرّة أيضاً ويعودوا إلى منازلهم وقطع وعداً بأن يحميهم الجيش في يوم آخر ويمكّنهم من قطف الزيتون.
في إفادته وصف عدنان بركات تفاوُض الضابط معه:
جاء ضابط لا أعرف من هو ولا رتبته. وكما في المرّة السّابقة طلب منّي أن أرسل الناس إلى منازلهم وتعهّد أن يُجري تنسيقاً لقطف الزيتون في يومي الجمعة والسّبت القادمين وأن يهتمّ بحضور حماية كافية. قلت له إنّ من حقّنا المجيء إلى أراضينا متى شئنا ولا نحتاج إلى تنسيق ونوّهت أمامه أنّهم تعهّدوا من قبل بتوفير حماية ولم يوفوا بوعدهم. بعد جدال طويل ولأجل تجنّب إصابة المزيد من الناس وافقنا على مغادرة المكان على أن نعود إلى الكروم في يوم الجمعة كما قال الضّابط.
بعد مضيّ ثلاثة أيّام أغلق الجيش في يوم الجمعة الموافق 16.10.20 جميع مداخل القرية ليمنع المتطوّعين والمتضامنين من المساعدة في قطف الزيتون. في ذلك الصّباح خرج للقطاف من القرية أكثر من مئة من المزارعين والأهالي.
كان عشرات الجنود قد انتشروا على سفوح الجبل وعشرات المستوطنين قرب الكرفان والعرائش المنصوبة في الكروم. عندما أصبح القاطفون على بُعد نحو 200 متر من الكروم أطلق الجنود كميّات كبيرة من قنابل الغاز المسيل للدّموع نحوهم ففرّ منهم كثيرون في اتّجاه القرية. في أعقاب ذلك اندلعت مواجهات في عدّة نقاط حول القرية رشق الأهالي خلالها الحجارة وأطلق الجنود قنابل الصّوت والغاز المسيل للدّموع والرّصاص المعدنيّ المغلّف بالمطّاط إضافة إلى الرّصاص الحيّ. استمرّت المواجهات نحو ساعتين وأصيب خلالها عدد من الأهالي بالرّصاص "المطّاطيّ" وجرّاء استنشاق الغاز وتمّت معالجتهم ميدانيّاً. إضافة إلى ذلك تسبّبت الذخيرة التي أطلقها الجنود باشتعال النيران في كروم الزيتون فقام عدد من المزارعين بإخمادها بأنفسهم بعد أن سمح لهم جنود بذلك لكنّ جنوداً آخرين واصلوا في أثناء ذلك إطلاق الغاز المسيل للدّموع وقنابل الصّوت. وصلت إلى المكان سيّارة إطفاء فلسطينيّة غير أنّ المواجهات أعاقت وصولها إلى مواقع الحريق الذي أسفر عن احتراق نحو عشر شجرات زيتون كبيرة.
نحو السّاعة 13:00 بعد أن خفتت المواجهات لوقت قصير حيث اتّجه الأهالي لأداء صلاة الظهر، أعاد بعضهم محاولة الوصول إلى الأراضي لقطف الزيتون فشرع الجنود مجدّداً يطلقون نحو المزارعين الغاز المسيل للدّموع وقنابل الصّوت وهكذا تجدّدت المواجهات وأصيب خلالها عدد من الشبّان وهُم يرشقون الجنود بالحجارة وطالت بعض المزارعين إصابات طفيفة جرّاء الرّصاص "المطّاطيّ"، أمّا حالات الاختناق جرّاء الغاز فكانت بالعشرات وقد تمّت معالجة جميع المصابين ميدانيّاً.
عند السّاعة 14:00 وصلت تعزيزات من الجنود الذين شرعوا فور وصولهم بإطلاق قنابل الغاز نحو الأهالي فلاذ هؤلاء بالفرار وغادروا المنطقة. يُذكر أنّ المستوطنين كانوا طوال فترة المواجهات واقفين على التلّة يراقبون الأحداث.
في مساء اليوم نفسه ومساء اليوم التالي وخلال نهار الأحد الموافق 18.10.20 شاهد شخص من سكّان بُرقة يقيم قرب كروم الزيتون مستوطنين من ساكني الكرفان يضرمون النار في أشجار الزيتون ولا يُعرف بعدُ حجم الخسائر لأنّ أصحاب الأراضي يخشون الوصول إلى هناك.
في ظهيرة يوم الثلاثاء الموافق 20.10.20 وصل إلى القرية كلّ من باحث بتسيلم الميدانيّ إياد حدّاد ومندوب الصّليب الأحمر وخرجا معاً إلى الكروم لتفقّد الأضرار. عندما كانا على بُعد نحو 150 متراً من الكرفان شاهدهما المستوطنون فانطلق أربعة منهم ملثّمين يركضون نحوهما ممّا اضطرّ الاثنين إلى الفرار.
أدناه يصف ن.م. من سكّان بُرقة إحراق الأشجار - من إفادة أدلى بها أمام باحث بتسيلم الميدانيّ إياد حدّاد في 20.10.20:
أقيم في الأطراف الشماليّة لقرية بُرقة وكروم الزيتون تبعد عن منزلي مسافة 500 متر شمالاً وهي في منتصف المسافة بين منزلي وكرفانات مستوطني التلال. نحن نعاني منذ سنين جرّاء اعتداءاتهم على الكروم وأيضاً هجماتهم على القرية نفسها بما في ذلك إحراق المسجد. لهذا السّبب لم أشارك الأهالي في أيّ من أيّام القطاف التي نظّموها. في 16.10 قرّرت بكلّ بساطة أن أخرج أغنامي للرعي في مكان بعيد لكي أتجنّب اعتداءات المستوطنين وغاز الجنود الذي قد يؤثّر عليها.
بعد السّاعة 14:00 علمت أنّ الأوضاع هدأت فعُدت إلى منزلي مع أغنامي. مع اقتراب الغروب رأيت فجأة نيراناً تشتعل في كروم الزيتون الممتدّة بين منزلي وكرفانات مستوطني التلال. رأيت ألسنة لهيب كبيرة تتصاعد من إحدى الأشجار إلى ارتفاع عالٍ يقارب 4 أمتار. وبينما كنت أراقب المشهد رأيت عدداً من المستوطنين يتنقّلون بين الأشجار ويحرقون شجرة هنا وشجرة هناك. لم أعرف أرض مَن هذه التي تحترق علماً أنّ الأشجار المحروقة كانت موزّعة على مساحة كبيرة - حتّى أنّني أخشى أنّ بعضها كان أشجاري أنا نفسي.
في مساء الغد وأيضاً في نهار الاحد رأيت مجدّداً مستوطنين يضرمون النار في الأشجار على مساحة واسعة من الأرض وكان من الصّعب تقدير عدد الأشجار التي أحرقوها. ربّما 20 شجرة وربّما بضع عشرات. منذ المواجهات لا يجرؤ أحد على الوصول إلى هناك ولذلك لم يتفقّد الكروم أحد بعد الحرائق. إنّه وضع لا يوصَف. لم يبق لنا سوى الاتّكال على الله.