ظهر يوم الخميس الموافق 25.6.20 أوقف جنود في منطقة وسط البلد في الخليل الشابّ وليد غزال وهو في طريقه إلى عمله ثمّ دون أيّ سبب ظاهر للعيان وتحت تهديد السّلاح أمره الجنود أن يخلع ملابسه. خلع وليد قميصه وبقي مرتدياً الشبّاح الدّاخلي لكنّ الجنود لم يكتفوا بذلك ورفضوا حتّى أن يدَعوه يلوذ بمكان يخلع فيه ملابسه بعيداً عن أعيُن المارّة. هبّ لنجدة وليد أقاربُه وأشخاص آخرون. مرّ من المكان جيب فيه جنود آخرون وفي النهاية اقتيد وليد إلى محطّة الشرطة حيث احتُجز في السّاحة طوال ثلاث ساعات ثمّ أخلي سبيله دون اتّخاذ أيّة إجراءات. ليست هذه حادثة استثنائيّة بل هي جزءٌ من روتين العُنف الذي اعتاده سكّان الخليل كما سكّان بقيّة أنحاء الضفة الغربيّة والذي يشمل الاعتداءات الجسديّة والتهديد والإهانة والإذلال وغير ذلك.
يقع حيّ الحريقة في الجزء الجنوبيّ من منطقة مركزمدينة الخليل (منطقة 2H) ويسكنه نحو 3,000 فلسطينيّ. منذ إقامة مستوطنة "كريات أربع" في العام 1972 يعاني سكّان الحي من تنكيل متواصل يمارسه ضدّهم مستوطنون بدعم ومساندة الجيش ويشارك فيه جنود. هذه الحالات، كما الحالات التي سبق أن وثّقتها بتسيلم على مرّ السنين تُظهر كم أصبحت حياة الفلسطينيّين في الحيّ هشّة مستباحة يؤخذون فيها "على حين غرّة" في كلّ حين. تُنشئ سياسة إسرائيل معاناة لا تطاق وواقعًا يبعث اليأس في النفوس ويدفع بالفلسطينيّين إلى النزوح عن منازلهم ومحالّهم التجاريّة في المنطقة.
التقرير الجديد الصّادر اليوم عن بتسيلم تحت عنوان "تحت غطاء الأمن: السياسة الإسرائيلية في مدينة الخليل كوسيلة لنقل سكانها الفلسطينيين قسريًا" يُظهر كيف تتذرّع إسرائيل بحجج أمنيّة لكي تطبّق في منطقة مركز مدينة الخليل سياسة جعلت حياة السكّان الفلسطينيّين جحيمًا لا يُطاق بهدف دفعهم إلى الرّحيل عن منازلهم. تعتمد هذه السياسة آليّات الفصل الحادّ والمتطرّف التي تطبّقها إسرائيل في المدينة منذ 25 عامًا، منذ المجزرة التي ارتكبها باروخ جولدشطاين بهدف تمكين ثلّة مستوطنين من السّكن في قلب مدينة فلسطينيّة مكتظّة. هذه السياسة خرق لحظر النقل القسريّ الذي يُعتبر جريمة حرب.
في 16.6.19 وبعد مضيّ أسبوع على حادثة تنكيل عناصر من شرطة حرس الحدود ومستوطنين بعائلة أبو شمسيّة في تل رميدة أصيب الوالد عماد بضربة شمس. الجيش منع من طاقم سيارة الإسعاف التي استدعتها زوجته في ساعة متأخّرة من اللّيل الدخول إلى الحيّ وبعد تأخير كبير قرّر الطاقم الطبّي التوجّه إلى المنزل سيرًا على الأقدام وإخلاء المريض على سرير الإسعاف وحتى هذه الخطوة احتاجت أخذًا وردًّا مع الجنود. تُظهر هذه الحادثة استهتارًا بصحّة مريض يحتاج علاجًا طبّيًّا عاجلًا وتعكس جيّدًا شدّة تحكّم إسرائيل بجميع نواحي حياة السكّان الفلسطينيّين في المدينة وكم من المشقّة يتحمّلون لأجل القيام بأبسط الأمور إضافة إلى عدم اليقين الذي يكتنفها؛ ولكن أكثر ما تُظهره هذه الحادثة مدى فقدان سيطرة الفلسطينيّين على سير الأمور وعلى مجرى حياتهم.
في يوم الجمعة الموافق 10.5.19 اعتقل جنود محمد أبو شمسيّة (17 عامًا) وشقيقه عوني (20 عامًا) بعد مواجهة وقعت بينهما وبين مستوطن في طريق عودتهما من جولة مشتريات للعائلة لأجل الإفطار الرمضانيّ. تقيم عائلة أبو شمسيّة في حيّ تلّ رميدة الواقع وسط البلد في مدينة الخليل والذي يعاني سكّانه من قيود على الحركة ومن تنكيل دائم من جانب قوّات الأمن والمستوطنين منذ أقيمت مستوطنة على تخوم الحيّ. تُظهر هذه الحادثة كم أنّ حياة الفلسطينيّين المتبقّين وسط البلد هشّة ومستباحة ومليئة بالأحداث غير المتوقّعة.
في ساعات المساء من يوم الأحد الموافق 5.5.19 تقدّم جنديّان من سيّارات فلسطينيّة متوقّفة قرب البوّابة المغلقة التي نصبها الجيش لمنع دخول السيّارات الفلسطينيّة إلى حيّ جابر. طالب الجنديّان أصحاب السيّارات بإزاحتها من المكان وبدأ أحدهما يخبط السيّارات بفوهة بندقيّته. هدّد الجنديّان أصحاب السيّارات بإلحاق الأضرار بسيّاراتهم إذا أوقفوها هناك ثانية. سيّان أكان منع وقوف السيّارات هناك ناجمًا عن تعليمات "من فوق" أم أنّ الجنديّ تصرّف على هواه فهذه الحادثة تندرج ضمن سياسة التنكيل التي يتّبعها الجيش ضدّ سكّان منطقة وسط البلد في الخليل. لذلك، في هذه المرّة أيضًا لن يستدعى أحد لمحاسبته على هذه الأفعال.
في يوم الأربعاء الموافق 5.12.18 وبعد انتهاء الدّوام الدراسي رشق أولاد فلسطينيون الحجارة على شرطة حرس الحدود في الخليل. وقد تمّ توثيق عدد من عناصر شرطة حرس الحدود وهم يلقون القبض على أربعة أطفال وجرّهم إلى الحاجز. احتُجز ثلاثة منهم عند الحاجز طيلة ساعة - وحدهم ودون مرافق حيث استجوبتهم الشرطة ثمّ أخلت سبيلهم. أمّا الطفل الرّابع (13 عامًا) فقد اعتقلوه طوال اللّيل ثمّ تركوه عند مدخل بلدة ليست بلدته. هذه الممارسات - بدءًا باعتقال قاصرين تحت سنّ المسؤوليّة الجنائيّة وإخضاعهم للتحقيق وصولًا إلى اعتقال طفل في الـ13 من عمره وزجّه في زنزانة طوال اللّيل ثمّ إخلاء سبيله بطريقة عنيفة حيث ضُرب وتُرك في مكان بعيد عن منزله - هي جزء من تصوّر مشترك تواطأت عليه السّلطات الإسرائيلية وترى من خلاله أنّ القاصرين الفلسطينيين لا يملكون الحقّ في الكلام ولا حتى الحماية الأساسية التي يستحقونها بموجب القانون باعتبارهم أطفال.
يكمن في جوهر نظام الاحتلال الإسرائيلي انتهاك منهجيّ لحقوق الإنسان. تعمل بتسيلم لأجل إنهاء الاحتلال، إدراكًا منها أنّه بهذه الطريقة فقط يمكن تحقيق مستقبل يضمن حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحرّية والمساواة لجميع الأفراد - فلسطينيين وإسرائيليين - القاطنين بين النهر والبحر.